التقديم

كلمة شكر وعرفان

 

يواصل كتاب "العوسج (2)" وهو الجزء الثاني من سيرتي وذكرياتي، رواية الانشغالات والأحداث التي عايشتها خلال الفترة من 1974-1993. وهي انشغالات وهموم مرحلة اختلفت بالنسبة لي من حيث الأنشطة واتصلت من حيث الرؤية والموقف بأحداث الفترة السابقة عليها 1952-1974 التي غطاها الجزء الأول من المذكرات.
ويعود الاختلاف بين الفترتين وأسلوب التناول في كل منهما إلى اتساع نطاق الاهتمامات وإلى مسؤوليات الوظيفة العامة التي زاولتها لمدة خمسة أعوام في قطاع النفط في قطر، إضافة إلى الأحداث الكبيرة الكثيرة المتقلبة التي شهدتها الفترة التي يغطيها العوسج (2).
فقد بدأت تلك الفترة بالطفرة النفطية الاولى وما صاحبها من بوادر توجه واهتمام بالتنمية والتكامل العربي في المنطقة بعد حرب أكتوبر 1973 وما تلاها من ارتفاع كبير لأسعار النفط وتضاعف عائداته التي عززت الآمال التي لم تستمر طويلا بإصلاح شامل وتنمية مستدامة. وتقلبت أحداث تلك الفترة حتى انتهت بغزو العراق للكويت وحرب الخليج الثانية عام 1991 وتوابعها المستمرة حتى وقتنا الحاضر. يضاف إلى ذلك بروز نمط أطلقت عليه في نهاية الفترة تسمية "تنمية الضياع"، وهو نمط لا يمت بصلة لمفهوم التنمية الإنسانية الحميدة.
******
بدأت كتابة هذا الجزء من ذكرياتي في شهر يوليو/تموز 2015 أثناء تفرغي الدراسي الصيفي في جامعة لوند في السويد بدعوة كريمة من مركز دراسات الشرق الاوسط في الجامعة. ولم تكن البداية يسيرة، على الرغم من التسهيلات الأكاديمية والبيئة العلمية المناسبة للبحث والكتابة، وذلك لأكثر من سبب من بينها الإحباط الذي شعرت به نتيجة موقف الرقابة على المطبوعات في قطر من كتاب "العوسج"، إضافة إلى أن موضوعات الجزء الثاني من ذكرياتي تبدأ بفترة عملي في قطاع النفط، وهو عمل ذو طبيعة إدارية وفنية قد لا تستأثر بالاهتمام لدي غير المهتمين بموضوعات النفط والتنمية والعلاقات السياسية الداخلية والخارجية المؤثرة على السياسات النفطية. وقد يصعب تخطي بعضهم الفصول الاولى من الكتاب إلى موضوعاته الاخرى المتنوعة التي انشغلت بها بعد تركي قطاع النفط - أو ترك قطاع النفط لي - وعودتي إلى حيث بدأت.
وأثناء حيرتي وترددي في بداية كتابة جزء ثان من الذكريات، فتح الله على بمدد من الود والإنصاف جعلني اتغلب على ترددي وأحزم أمري خلال فترة كتابة هذا الجزء الثاني التي استغرقت عاما ونص العام، من شهر اغسطس 2015 حتى شهر أذار/مارس عام 2017 عندما دفعت بكتاب "العوسج (2)" للنشر. فالتعقيبات الكريمة الستة التي وصلتني متتالية من بعض الزملاء والباحثين على فترات، وطوال مدة كتابتي لفصول الذكريات، كانت بمثابة نسيم يحمل عطر الياسمين. وقد أنعشني وأمدني بطاقة إيجابية ساعدتني على إكمال ما بدأت به من ذكريات. فلهم مني جميعا الشكر والتقدير والعرفان لما وصلني منهم من مشاعر الود والتشجيع والإنصاف التي حملتها مراجعاتهم الجميلة والعميقة لكتاب "العوسج" وتقديمه للمهتمين بموضوعه.
ويعود الفضل في إخراجي من حيز التردد إلى مجال المحاولة إلى تعقيبين وصلاني بالبريد الالكتروني من زميلين عايشا فصول الجزء الأول من ذكرياتي واستخلصا معاني وأبعادا أسعدني استخلاصها وتقديم كتابي من خلالها.
كان التعقيب الاول من الصديق القارئ الواعي هاني الخراز الذي وصلني تعقيبه صباح يوم 5/8/2015 أثناء سفري بالقطار في رحلة تستغرق نصف ساعة من مدينة لوند إلى كوبنهاغن عاصمة الدنمرك بصحبة صديقنا العزيز المشترك وشريكنا في الاهتمام بكتابة المذكرات أخي سعد المطوي الذي كان في زيارة لي في جنوب السويد. استمعت إلى سعد يقرأ التعقيب والعبرة تكاد تخنقني تعبيرا عن العرفان بفضل ما استخلصه الأخ هاني من دلالات عميقة وأهداها إليّ؛ وما أجملها من هدية في غربتي من أخ كريم أنصفني وجبر خاطري! وقبل أن نصل إلى كوبنهاغن كان التعقيب منشورا على صفحتي بالفيسبوك، وعدد متصفحيه يعدّ بالآلاف الذين وصلهم خبر صدور العوسج من خلال المراجعات، وأولها مراجعة أخي هاني الذي كان عنوانها "في صحبة شبيه العوسج". (انظر: التعقيب وبقية التعقيبات الكريمة الستة كلها منشورة في العوسج (2) بعد كلمة الشكر والعرفان هذه).
وجاءني تعقيب الأخت العزيزة الكاتبة والناقدة نورة السعد بعد ثلاثة ايام بتاريخ 8/8/2015 بعنوان "قراءة في كتاب العوسج، سيرة وذكريات"، يحمل قراءة فكرية استخلصت أبعادا أخرى في الذكريات بحس انساني جميل جعلني اشعر بقيمة ما كتبته وما قدمته من تجربة وجدت فيها الاخت أم عبد الله مشكورة من المعاني العميقة ما لم أكن أفكر فيه عندما دوّنت تلك الأحداث والتطورات والمواقف. وبعد وصول ذلك التعقيب المتألق والمشجع لم يعد السؤال، أن ابدأ الكتابة ام لا، وإنما كيف أبدأ كتابة الفصول الأولى ذات العلاقة بالنفط والتنمية، التي قد يعتبرها البعض موضوعات جامدة وربما مملة، ثم أعيد كتابتها وتنقيحها أكثر من مرة كي أكون على مستوى توقعات من أحسنوا الظن بي ووجدوا في سيرتي وذكرياتي قيمة تستحق عناء القراءة.
وتتالت التعقيبات الكريمة طوال فترة كتابة العوسج (2)، وكان كل تعقيب منها يشكل دافعا وحافزا لي على إتمام ما بدأت به ويمدني بالطاقة والتشجيع.
فجاءني بتاريخ 22/11/2015 التعقيب الثالث بعنوان "العوسج: علي الكواري، التحدي والأمل" من أخي وزميلي في قطاع النفط في قطر الكاتب والشاعر والأكاديمي والمترجم القدير الدكتور فايز الصياغ. وحمل التعقيب شهادة اعتز بها وتعريفا بكتاب العوسج على المستوى العربي؛ فقد نشر التعقيب في مجلة ’المستقبل العربي‘، كما نشر في جريدة ’الرأي‘ الأردنية. ولم يكتفِ أخي فايز بمراجعة العوسج وإنما أخذ على عاتقه، بالرغم من كثرة مشاغله، أن يقوم مشكورا بمراجعة مسودة فصول العوسج (2) كي يحميها من كثرة الاخطاء اللغوية التي لاحظها عند مراجعة كتاب العوسج. وقد فعل ذلك بكل صبر واقتدار، مضطرا لمراجعة الفصول والمخطوطة النهائية ثلاث مرات متتالية، فاستحق مني الشكر والتقدير والعرفان وله مني المعذرة، بعد أن أخذ مني وعدا قد يصعب على تنفيذه بسبب ضغط العين وضغط الوقت، بالعودة لدراسة قواعد اللغة العربية والإملاء من جديد، أو كما يقال، "عندما شاب ...!
وبتاريخ 30/6/2016 جاءت المراجعة الرابعة لكتاب العوسج التي نشرها أخي العزيز الدكتور يوسف الحسن في جريدة ’الخليج‘ في الشارقة بعنوان "حدث في الدوحة". قدمت تلك المراجعة المهنية كتاب "العوسج" لأهلي وأحبتي في الإمارات العربية وحيث تصل جريدة الخليج الواسعة الانتشار. وأبرزت قراءة الباحث الأكاديمي الدكتور يوسف الحسن المنهجية جوانب وأبعادا من الذكريات في قطر ومحيطها، وبينت صدى أحداث الخليج ومواقف أهله وصلتهم بالإحداث العربية. وفي ختام مراجعته، دعى الصديق يوسف الحسن، إلى أن يكتب معاصرون آخرون "عوسجهم" لتكتمل الصورة وتتعدد مصادر الرواية.
وفي نفس اليوم 30/6/2015، وبالصدفة السعيدة، عقب أخي المفكر والكاتب السوسيولوجي عبد العزيز الخاطر ونشر على مدونته خلاصة قصيرة مركزة لما خرج به من قراءة العوسج وأعاد نشرها في جريدة ’الوطن‘ القطرية، وختمها بفقرة خنقتني أيضا العبرة وأنا أحاول قراءتها، كعادتي عندما تفاجئني الكلمة وتلامس مشاعري، حين قال: "ما شدني في عوسج علي الكواري، هو محاولته كسر الحجر الذي يقف في الطريق، ليس لأنه آذاه بشكل شخصي، ولكن لكي لا يؤذي غيره من السائرين خلفه في طريق صنع الذات وامتلاك الإرادة ".
 
وكان التعقيب السادس بتاريخ 25/10/2016، وهو مسك الختام، بقلم الشاعر محمد احمد بن خليفة السويدي بعنوان «العوسج يبث السرور»، وهو تعقيب يقرأ من عنوانه حمل لي طاقة إيجابية تدفعني إلى مواصلة كتابة ما تبقى من الجزء الثاني من ذكرياتي. فقد كان تعقيب الصديق الشاب المدون والمبدع محمد السويدي يحمل أيضا شهادة حول احتفاء والده، زميل الدراسة والأخ الكبير معالي أحمد خليفة السويدي وزير خارجية الإمارات العربية بكتاب العوسج ومناقشاتنا المستفيضة بالهاتف خلال الصيف الماضي لما جاء به الكتاب من أحداث كان أبو محمد شريكا في الكثير منها وشاهدا على العصر الذي كتبت عنه.
 
******
والشكر والتقدير والعرفان، في البدء وفي المنتهى، دين عليّ لكل من عبر لي شخصيا وبالكتابة أو النشر على موقعي، أو بالتعقيب على صفحتي في الفيسبوك، أو بالتنويه بكتاب العوسج في الصحف ووسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي. فقد كانت كل تلك المشاعر الطيبة مصدر سرور وبهجة لي وعقار لا غنى عنه لتحمل عناء الكتابة، في زمان ومكان لا يقبل الرأي الاخر ولا الرواية المختلفة للأحداث.
وفي هذا المقام، أخص بالذكر "مركز دراسات الخليج لسياسات التنمية" والقائمين على إدارته والمتصفحين لمحتوياته، وأعرب لهم عن التقدير والعرفان لقيامهم بنشر فصول العوسج (2) الأربعة عشر على مدى عام كامل، وفتح صفحة لمذكراتي على الموقع دخل من خلالها ما يناهز خمسة وعشرون متصفحا على نسخ الـ pdf المنشورة للفصول بشكل أولي من أجل المناقشة وإبداء الملاحظات، وتفضل عدد منهم بالتواصل معي لتصحيح المعلومات وإبداء الملاحظات على المضمون والأسلوب. وقد استفدت من ذلك في تنقيح "العوسج (2)" ليكون بصورته المنشورة الراهنة.
وجاء الكثير من التصويبات والنقد والملاحظات من أناس لم يسبق لي شرف معرفتهم. وقد وردت بشكل تلقائي صادق. ولا يسعني في هذا السياق إلا أن أشير إلى واحدة من تلك الملاحظات التلقائية التي وردت تعليقا على "الفصل التاسع: مشروع دراسات التنمية في جامعة قطر"، من أخت قطرية فاضلة ذكرَتْ أن اسمها  هند الكبيسي، ولم أكن أعرفها شخصيا: " أول مرة أقرأ للدكتور الكواري. ومن المؤسف أن لا يتوفر توثيق تاريخي آخر لتلك الفترة. من الصعب قراءة تاريخ تلك الفترة وتحليله من مصدر واحد". وأردفت قائلة: "ما لفت نظري في هذا الفصل، وجود اهتمام ملحوظ على مستوى الأفراد المواطنين في تلك الفترة بالقضايا الوطنية العميقة. أما اليوم فنلاحظ أن اهتمام المواطن متجه أكثر نحو التنمية الذاتية وخلق مستقبل شخصي. فالكثير يعمل في عزلة فردية ويحقق أهداف شخصية بحتة ولا أختلف مع أي شخص في اتجاهه، لكن الوطن يحتاج للاتجاهين وأكثر".
وأخيرا وليس آخرا، فأنا مدين دائما وأبدأ بالشكر والتقدير والعرفان لمن شاركوني في ’مطبخ الذكريات'. فقد شاركوني السرور والعناء المتصل بالكتابة وصداها وتبعاتها. وهذه المرة، كان لزوجتي أم جاسم سبيكة محمد الخاطر، وهي باحثة متميزة في علم الاجتماع، نفس الفضل والدعم اللذين كانا لها في كتاب العوسج. فقد كانت أول من يقرأ مسودات الفصول وأول من يلفت نظري لما يشوب مضمونها وأسلوبها أو يؤثر على إمكانية وصولها للقارئ، فضلا عن تحملها عناء التصحيح الأولي للفصول. كما أن ابني جاسم، الذي أصبح أخي، كما يقول المثل "إذا كبر ابنك خاويه"، وقد دخل الجامعة هذا العام، شارك بقدر ما يسمح به وقته في المرور على مسودات الفصول وتقديم العون الفني والاستشارة التي لا استغني عنها. "فالحكمة صبية " كما يقال.
والشكر والتقدير موصولان للصديقين العزيزين هاني الخراز وسعد بن راشد المطوي المهندي، اللذين كانا أول من شجعني واستمرا في تشجيعهما لي للاستمرار في كتابة المذكرات وتحمل عناء قراءة مسوداتها من أجل الاطمئنان على سلامتها وعلى ووضوح أفكارها. ولا يفوتني هنا أن أذكر الأصدقاء الذين قد تكون لهم علاقة ببعض الفصول عند قراءة مسوداتها. وأخص منهم بالشكر هذه المرة الصديقين العزيزين الدكتور عبد الله جمعه الكبيسي والأستاذ عيسى شاهين الغانم.
وتنتهي الفصول بي عند أخي العزيز الدكتور فاز الصياغ صاحب الفضل الكبير الذي أخضعها لأسلوبه المنهجي في المراجعة والتحرير قبل أن تنشر بشكل أولي للمناقشة على موقع "سياسات الخليج" أو تعد أخيرا للنشر الورقي عند "منتدى المعارف" في بيروت هذه المرة، وتحت رعاية وعناية أخي الكريم الدكتور ربيع كسروان وزملائه الأفاضل. فلهم مني جميعا الشكر والتقدير لما يتحملونه من عبء وما يقدمونه من نصيحة وتصويب لما كتبت. وسأبقى أنا المسؤول عما ورد في الذكريات. والله من وراء القصد.

 

الدوحة 28 أذار/مارس 2017
علي خليفة الكواري